هل تقف أندونيسيا في طابور دول أفريقيا؟

وصلت رحلة أوائل طلبة الثانوية الأزهرية التي نظمتها جريدة الجمهورية إلي
دولة اندونيسيا مطار العاصمة جاكرتا بعد رحلة طيران استمرت 18 ساعة تخللها
توقف في دبي وسنغافورة.


المطار ليس في مثل فخامة مطار القاهرة ولا يماثل بهاء مطار سنغافورة
ولكنه نظيف ومنظم ويحاول التجمل رغم الازدحام الشديد.


خارج المطار تجد مظاهر الدول النامية.. باعة جائلين يعرضون بضاعتهم
البسيطة في غير الحاح واطفال يحملون مظلات واقية من المطر يعرضون خدماتهم
وسائقي التاكسي يعرضون توصيلنا إلي حيث نريد.


شوارع جاكرتا مزدحمة وليست واسعة ولكن كل شيء يتحرك ببطء أحيانا وبسرعة
احيانا أقل لا يوجد أزمة في اشارة مرور تقف أمامها وقتا طويلا ولا تجد
رجال شرطة يشيرون إلي قائدي السيارات بسرعة السير.. ألوان اشارات المرور
الحمراء والخضراء هي الفيصل في تنظيم حركة كل شيء.. المشاة والسيارات
والدراجات النارية كل شيء منظم.. توقف هنا.. حركة هناك.. لا مشاكل ولا
أزمات. وسيلة المواصلات الرئيسية هي الدراجات النارية يستعملها الجميع من
مختلف الطبقات.. سيدات ورجال وطلبة.. أسرة كاملة فوق دراجة نارية.. سيدة
حامل ووراءها سلة خضار.. كان الحل في الدراجات النارية فاستعملها الجميع.


في جاكرتا تلمح مظاهر الفقر علي البيوت التي تتكون من طابقين أو ثلاثة
ومظاهر الابهة تراها في المباني المرتفعة وناطحات السحاب التي تتكون في بعض
الأحيان من ثلاثين طابقا الا ان الملاحظة الأهم هي النظام والنظافة
والأشجار الخضراء والنباتات التي تتواجد في كل متر مربع من أرض جاكرتا وهذا
بالطبع بسبب خصوبة التربة الشديدة والامطار الدائمة والرطوبة المرتفعة.


أهل أندونيسيا ينتمون بقوة إلي المكان والأرض والتاريخ أولا.. الدين
جزء من الهوية مثله مثل الثقافة والعادات والتقاليد.. التسامح الديني هو
سيد الموقف.. المعبد الهندوسي إلي جوار المسجد والكنيسة تجاور المعبد
البوذي. وزارة الشئون الدينية ترعي كل الأديان بنفس القدر ونفس الهمة
والاهتمام المسلمين والمسيحيين والبوذيين والهندوس وأصحاب الكونفوشسيه
متساوون في الحقوق والواجبات في الحياة والموت أيضا.. أهل اندونيسيا
متساوون فوق الأرض وتحت الأرض.. أرضهم وربما يكون هذا التسامح هو سر
الابتسامة التي لا تفارق كل من قابلناهم من باعة جائلين والعاملين في
الفندق والناس في الشوارع والمولات التجارية وتزداد هذه الابتسامة المطمئنة
اتساعا وتزداد دفئا ويصحبها عبارات ترحيب عندما يعرفون اننا من مصر.


مصر لها مكانة رفيعة في عقول وضمائر ووجدان الشعب الأندونيسي.. مصر هي
أول دولة في العالم تعترف باستقلال اندونيسيا بعد الحرب العالمية الثانية..
مصر ساهمت في اعتراف عدد من الدول العربية وغيرها في الاعتراف بأندونيسيا.


مصر أرسلت أول سفير واقامت أول سفارة علي أرض اندونيسيا.. جهد مصر في
عقد مؤتمر باندونج الذي شهد ميلاد حركة عدم الانحياز علي أرض اندونيسيا..
ثابت.. دور أزهر مصر في الأخذ بيد أهل اندونيسيا للتعرف علي الإسلام الحنيف
المعتدل المتسامح ثابت أيضا.


عرفت من موظف الخارجية الاندونيسية والمسئول عن العلاقات المصرية
الاندونيسية "أحمد مسبحين" وزميلته "كنتم خير أمة" انه كان بدية برنامج
الزيارة لقاء مع وزير خارجية اندونيسيا وان موضوع اللقاء مناقشة العلاقات
المصرية الأندونيسية.. برنامج الزيارة جاد ومكدس بالمقابلات المهمة سواء
علي مستوي الشخصيات أو الموضوعات.. كان بانتظارنا ثلاثة وزراء الخارجية
والشئون الدينية والشباب والرياضة والمعاهد الازهرية هناك.. صحيح ان معظم
هذه المقابلات لم تتم ولكن المؤكد انها كانت معدا لها مواعيد وكلمات.


هكذا كانت نظرتهم إلي وفد مكون من صحفيين مصريين واوائل ثانوية
الازهر.. بينما كانت نظرتنا إلي الزيارة انها فرصة للتسوق وشراء ملابس
قطنية رخيصة ومصنوعات جلدية ممتازة.. الفارق بين وجهتي النظر مختلف وكبير
وهذا بالطبع شيء محزن وزادني حزنا اهمال السفارة المصرية في الالتقاء
بالوفد المصري الا في آخر ساعتين من الزيارة التي استمرت 4 أيام كاملة الا
ان المفاجأة الحقيقية عندما زرنا المعهد الديني الازهري حيث كان في
استقبالنا أكثر من 400 طفل وطفلة يقفون صفين يتوسطهم رئيس المعهد واساتذته
واستقبلونا بالورود والابتسامات الحارة والموسيقي والغناء وينشدون "طلع
البدر علينا من ثنيات الوداع".


هكذا نحن في عيونهم وضمائرهم.. قبس من رسول الله صلي الله عليه وسلم..
نحن أزهر مصر حملة الإسلام الحنيف وحماة الدين بوسطيته الحميدة وكانت
الكلمة التي ألقاها مدير المعهد فيها عتب ورجاء. عتب المحبين ورجاء الآملين
في الازهر بزيادة التعاون والمنح الدراسية لابنائهم والاهتمام بتعليم
اللغة العربية لأبناء اندونيسيا حيث هناك من يحفظ القرآن الكريم كاملا أو
اجزاء كثيرة منه ولكنهم لا يتحدثون اللغة العربية!


حرارة الاستقبال هزتني من داخلي بقوة وعجزت عن حبس دموعي من حفاوة
استقبال الاطفال الذين تسابقوا لمصافحتنا والانحناء علي ايدينا وملامستها
بجباهم دليل الاحترام والتبجيل وانني بدوري انقل هذا لفضيلة شيخ الازهر
الدكتور احمد الطيب ويتحمل الازهر مسئوليته التاريخية والدينية تجاه مسلمي
هذا البلد البعيد.


نفس هذه الحفاوة عندما زرنا المدينة الرياضية وبعد صلاة العصر القي شيخ
الجامع هناك خطبة للترحيب بالوفد المصري من فوق منبر المسجد.. هذا المعني
كان موجودا في وزارة الشباب والرياضة وكان موجودا بوضوح أشد وأهم في مصنع
الطائرات في مدينة باندونج.. حيث قال مدير العلاقات الخارجية للمصنع انه
كان ضمن وفد زار مصر منذ أكثر من 15 سنة لبحث التعاون الصناعي والتكنولوجي
دون نتيجة مما دفع حكومة جاكرتا للبحث عن بديل وكان البديل دولة اسبانيا
وتم انشاء المصنع وتم انتاج طائرات مختلفة الطرز والاغراض وردا علي سؤال
لأحد الطلبة قال مدير العلاقات الخارجية للمصنع انه حاليا لا يوجد علاقات
مع إسرائيل.. ولكن انكم تعرفون انه لا ثوابت أمام المصالح الحيوية فأعداء
الأمس هم اصدقاء اليوم وربما حلفاء الغد.. من يدري المستقبل؟


وعندما سمعت هذه العبارة تذكرت كيف وقفت دول قارة افريقيا في طابور
لتقدم أوراق اعتماد سفراء لها في تل أبيب بعد معاهدة كامب ديفيد وكيف خرجت
دول افريقيا واحدة تلو الأخري من حميمية العلاقات الدبلوماسية مع مصر بل ان
الأمر وصل إلي حد المناطحة والاضرار بمصالح مصر والسؤال الملح الآن هل
نترك اندونيسيا تقف في طابور الدول الافريقية؟